فصل: مسألة لرجل إبل فسيرها في سفر فحال عليها الحول وهي في سفرها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة النصاب من المال ما هو:

من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة قال سحنون: قال أشهب، وابن نافع: سئل مالك عن النصاب من المال ما هو؟ فقال: خمس من الإبل، أو ثلاثون من البقر، أو أربعون شاة من الغنم.
قال محمد بن رشد: وهذا- كما قال: إن النصاب من المال هو أقل ما تجب فيه الزكاة، وإنما سمي نصابا- والله أعلم- لأنه الغاية التي ليس فيما دونها زكاة، والعلم المنصوب لوجوب الزكاة، والحد المحدود لذلك؛ من قول الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43]، أي إلى غاية أو علم منصوب لهم يسرعون، ويحتمل أن يكون سمي نصابا؛ لأن المال إذا بلغ هذا المقدار، وجب أن ينصب لأخذ الزكاة سعاة يبعثون لذلك، ويحتمل أن يكون مأخوذا من النصيب؛ لأن المساكين لا يستحقون في المال نصيبا فيما دون هذه المقادير، والله أعلم.

.مسألة حزرات أموال الناس هل توخذ في الزكاة:

وسألته عن قول عمر بن الخطاب: إياكم وحزرات الناس، ما الحزرات؟ قال: ضنائن الأموال في الصدقات من المواشي، والإبل، وغيرها، يقول: اتركوا الضنائن لا تأخذوها من أهلها تفتنونهم في ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا بين كما قال؛ لأن حزرات أموال الناس، هي التي يحزر صاحب المال أنها خيار ماله.

.مسألة زكاة سائمة الغنم إذا بلغت أربعين:

وسألته عن قول عمر بن الخطاب: وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين فقال: هو مثل قول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] يقول فيه يرعون.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال في السائمة من الغنم وغيرها من المواشي- هي الراعية منها، ولا دليل في قوله: وفي سائمة الغنم الزكاة: على أنه لا زكاة في غير السائمة عند من يقول بدليل الخطاب؛ لأن المعنى في ذلك عندهم، أن الحديث خرج على سؤال سائل، هل في سائمة الغنم الزكاة؛ فقال: وفي سائمة الغنم الزكاة، فكان مقصورا على سببه، وانتفى بذلك أن يكون فيه دليل على أنه لا زكاة في المعلوفة، وبالله التوفيق.

.مسألة عنده خمس ذود ستة أشهر فباع منها ثلاثة واشترى أخرى وحال عليه الحول:

وسألته: عمن كان عنده خمس ذود ستة أشهر من السنة، فباع منها ثلاثة ذود، فأقام بذلك شهرين آخرين، ثم ابتاع ثلاثة ذود- مكانها؛ فحال عليه الحول وعنده خمس ذود، وجاءه الساعي على ذلك، أترى عليه الصدقة، فقال: كانت خمسا فأقامت في يديه ستة أشهر، ثم باع منها ثلاثا أو أربعا، أو باعها كلها، ثم أقام شهرين، ثم ابتاع مكانها، وحال عليها الحول، وجاءه الساعي؛ فلا أرى في ذلك زكاة، فقيل له: أفلا ترى فيها زكاة؟ فقال: لا في رأيي، فقلت له: رأيتها فائدة شراء، قال: هو الذي سمعت.
قال محمد بن رشد: لم يقل في هذه المسألة إنه اشترى الثلاث ذود بالثمن الذي باع به الثلاث ذود الأولى، فإذا لم يشترها به، فلا اختلاف في أنها فائدة تضيف إليها الذودين وتستقبل بالجميع حولا، وإنما يختلف إذا اشترى الثانية بثمن الأولى، أو أخذها من ثمنها على ثلاثة أقوال، أحدها: أنها فائدة في الوجهين جميعا- وهو مذهب ابن القاسم، قال ابن المواز: وكذلك لو باعها ثم استقال منها، لكانت فائدة؛ لأن الإقالة بيع حادث.
والثاني: أنه يزكي الثانية على حول الأولى في الوجهين- وهو قول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز. والثالث: أنه يزكي الثانية على حول الأولى- إذا أخذها من الذي باع منه بالثمن، ويستقبل بها حولا إذا اشتراها بالثمن من غيره؛ وهذا القول ظاهر ما حكاه ابن حبيب في الواضحة لمالك من رواية مطرف، وابن وهب، وعن أصحاب مالك إلا ابن القاسم؛ واختلف قول ابن القاسم إذا استهلكت له ماشية فأخذ في قيمتها ماشية من صنفها، فمرة جعل ذلك كالبيع تكون فائدة؛ ومرة قال: يزكيها على حول الأولى وهذا إذا كانت الغنم قائمة، لم تذهب أعيانها بما أحدثه الغاصب فيها؛ ولو ذهبت أعيانها، لاستقبل بها حولا كالبيع على مذهبه؛ ولو كانت الغنم قائمة، لم تفت بوجه من وجوه الفوت، لزكاها على حول الأولى كالمبادلة سواء، قاله بعض شيوخ القرويين، وهو بين صحيح- والله أعلم.

.مسألة بعث السعاة في كل سنة:

قال: وسألته أترى أن يبعث السعاة في كل سنة لا يؤخرون في الجدب والخصب؟ قال: أما في السنة الجدبة، فلا أرى أن يبعث السعاة حتى يذهب الجدب، وأما في غير ذلك، فأرى أن يبعثوا في كل سنة ولا يؤخروا، وأما في السنة المجدبة الشديدة الجدب، فلا أرى ذلك حتى يحيا الناس ويذهب الجدب؛ قيل له: أيترك ذلك لهم يرتفقون بألبانهم؟ قال: لا، ليس ذلك نظرا لهم، ولكن نظرا للمسلمين؛ لأن السعاة يأتون يومئذ إلى ما إن باعوه هنالك لم يوجد له ثمن، وإن جلب، لم ينجلب؛ وإن أعطاه إنسانا، لم يكن في ذلك ما ينفعه عجفا؛ فإنما ينظر في ذلك للمسلمين، ليس لأهل المواشي، قلت له: فإذا كانت السنة المقبلة، وأحيا الناس، أرسل السعاة فأخذوا منهم لعامين، فقال لي: نعم، وإنما يصدقون ما يجدون في أيديهم، قال لي: ولو أنهم أرسلوا اليوم السعاة، رأيت ذلك قد أمطر الناس، وأعشبت الأرض، وعاشت المواشي، وذلك في شهر بيع الأول- وكانوا في جدب، فكان ذلك في أول ما أمطروه، فنرى أن يرسل السعاة حينئذ.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في سماع أصبغ عن ابن شهاب، أو مالك، أو عنهما- جميعا- أن الصدقة تؤخذ في الخصب والجدب، ولا يؤخذ أحدها ولا يضمونها، وليس في هذا سنة قائمة، ولا أثر يتبع؛ وإنما هو النظر والاجتهاد في تغليب أحد الضررين؛ فقد روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «إذا اجتمع ضرران بقي الأصغر للأكبر» ففي أخذ الصدقة في الجدب ضرر على المساكين، وفي تركها عند أرباب المواشي ضرر عليهم، ورواية أصبغ أظهر- والله أعلم.

.مسألة تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده:

قال: وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده، قال: إذا حال عليها الحول أخرج زكاتها- وإن لم يبعها، ليس المواشي مثل العروض، وإن باعها قبل أن يحول عليها الحول، وقد حال على ثمنها من يوم زكاه، زكى ثمنها يوم بيع.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة في بعض الروايات، وهو مثل ما في المدونة وغيرها، وإنما كانت المواشي بخلاف العروض؛ لأن زكاة الماشية في أعيانها، فهي أملك بها من زكاة التجارة في العروض- وبالله التوفيق.

.مسألة الشنق من الإبل ما يؤخذ في صدقتها:

ومن كتاب الزكاة قال:
وسألته عن الشنق من الإبل، ما يؤخذ في صدقتها: أضأن أم معز؟ فقال لي: إن كان من أهل الضأن، أخذ منه الضأن، وإن كان من أهل المعز، أخذ منه المعز قلت له: أذلك فيمن يكون عنده، أم في اختلاف البلدان؟ فقال لي: بل في البلدان، أن النجد أهل الضأن، فلا يؤخذ منهم إلا الضأن، وهذه الناحية الأخرى أهل الشام أهل المعز، فلا يؤخذ منهم إلا المعز قال: فقلت له: وما الشنق؟ فقال لي: الشنق من الإبل ما لا يؤدى فيه إلا الغنم أربع وعشرون بعيرا فدون ذلك، فإذا كانت خمسة وعشرين، فليست بشنق.
قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب ابن سحنون، أن ذلك يؤخذ مما تيسر على رب الإبل، ولا يكلف ما ليس عنده، وقال ابن حبيب: وإن كان من أهل الصنفين، أخذ المصدق من أيهما شاء، ورواية أشهب أشبه بظاهر الحديث؛ لأن لفظ الغنم في الحديث عموم، فيحمل على غنم البلد، كانت عنده أو عند غيره، ولا يقصر على ما عنده إلا بدليل، وما في كتاب ابن سحنون، وابن حبيب، تيسير على رب الإبل، إذ ليس في الحديث بيان برفع القدر، وشأن الزكاة التخفيف، وروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: «إذا خرصتم فخذوا ودعو الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع».
وكان محمد بن مسلمة لا يساق إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها، ويأتي في سماع أبي زيد القول في الشنق.

.مسألة قدما المدينة من البصرة بإبل لهما أيسألهما الساعي عن الصدقة:

قال: وسألته عن رجلين قدما المدينة من البصرة بإبل لهما، وأحدهما من بني أسد، والأخر من طيء، فسألهما صاحب الصدقة: هل صدقتما إبلكما هذه، وأين كنتما تصدقان؟ فقالا: أما مسكننا وأهلونا وذرارينا فبالبصرة، وأما صدقتنا- وأين كنا نصدق- فإنا والله ما أدينا صدقة قط لا هاهنا ولا بالبصرة؛ ومازال هذا وجهنا نكري من البصرة إلى المدينة، أترى أن يصدقا بالمدينة؟ فقال: وما بالهما يصدقان بالمدينة- إن كانا أهل العراق، به إقامتهما وقرارهما وأهلوهما؛ إنما صدقتهما إلى العراق، وأوى أن يسأل أهل عمله عنهما؛ فإن كانا إنما كانت صدقتهما بالمدينة- وهما كاذبان فيما قالا، صدقهما- وإن كان مسكنهما بالعراق؛ وإنما كانا يصدقان بها؛ أو غيبت عنهما بأمر؛ فلا أرى أن يأخذ منهما الصدقة، وإنما صدقتهما بالعراق؛ إما أن تكون قد أخذت منهما بها الصدقة، وإما أن سوف تؤخذ منهما، إما صدقتهما بالعراق- إن كانا من أهلها وبها أهلوهما وقرارهما وأوطانهما.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشأن أن تؤخذ الصدقة من أغنياء كل موضع، فترد على فقرائهم، ولا ينقل عنهم إلى غيرهم، إلا أن يرى الإمام ذلك لحاجة نزلت ببعض البلاد، فلأمير كل إقليم قبض صدقات أهل إقليمه، دون من سواه من الأمراء، وقد سئل سحنون عن رجل له أربعون شاة في أربعة أقاليم، وفي كل إقليم أمير، عشرة بالأندلس، وعشرة بأفريقية، وعشرة بمصر، وعشرة بالعراق، قال: إن كان الولاة عدولا فليخبرهم بذلك، فيأخذ منه كل أمير ربع شاة يأتي بشاة يكون الإمام شريكا له بربعها، هكذا يفعل في كل إقليم، وإن أخذ منه كل أمير قيمة ربع شاة، أجزأه؛ وإن لم يكونوا عدولا، فليخرج هو ما يلزمه- كما أعلمتك، وكذلك إن كان له خمسة أوسق مفترقة- كما ذكرنا، فليعط كل أمير زكاته في بلده؛ وإن لم يكونوا عدولا، أخرج هو ما يلزمه عن جميع ذلك.

.مسألة زكى غنما له فأقامت عنده ستة أشهر ثم اشترى بها إبلا:

وسئل عن رجل زكى غنما له، فأقامت عنده ستة أشهر، ثم اشترى بها إبلا؛ متى تجب الزكاة في الإبل، فقال: حتى يحول الحول عليها من يوم زكى الغنم الذي ابتاعها، فقال له: من يوم زكى الغنم؟ فقال: نعم في رأي.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في المدونة، ومثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه إلا ابن القاسم؛ وجه قول ابن القاسم أن شراء الماشية بالماشية المخالفة لها، كشرائها بالدنانير والدراهم في وجوب استئناف الحول بها، ووجه القول الآخر، أن الدنانير إذا كانت تزكى على حول الماشية من أجل أن الماشية في عينها الزكاة، فأحرى أن تزكى الماشية على حول الماشية المخالفة لها؛ لأن الماشية إلى الماشية أقرب من الدنانير إلى الماشية، وأشبه بها، فلكلا القولين وجه، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن قياس المثمون على المثمون أولى من قياسه على الثمن- وبالله التوفيق.

.مسألة فضل معاوية وعدله:

ومن كتاب الحج والوصايا والزكاة:
قال مالك: سمعت ربيعة يقول: قدم على معاوية رجل من أهل المدينة، فجعل يسأله عن أهل المدينة، ثم سأله عن أصحاب الصدقات، فأخبره، فقال له معاوية أتدري لم أسأل عن المصدقين؟ فقال الرجل: تسأل عن رعيتك وعما لك، فقال لا، إنما أسألك؛ لأن الأعراب قوم جفاة، إن لم يأتهم من يعلمهم ويعدل فيهم ويرفق بهم، هلكوا.
قال محمد بن رشد: ليس في هذا أكثر من فضل معاوية وعدله، ويكفي من الدليل على ذلك، أنه كان أميرا لعمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ على الشام أربعة أعوام، ولعثمان بعده مدة خلافته- اثنتي عشرة سنة، واجتمع الناس عليه حين بايعه الحسن، فكان خليفة عشرين سنة، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه- وكان يكتب له الوحي-: «اللهم علم معاوية الكتاب، والحساب، وقه العذاب» وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة لرجل إبل فسيرها في سفر فحال عليها الحول وهي في سفرها:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله استأذن سيده:
قال عيسى: وقال ابن القاسم: إذا كان لرجل إبل فسيرها في سفر، فحال عليها الحول- وهي في سفرها، فليس عليه صدقتها حتى تقدم، فإن ماتت فلا صدقة عليه فيها.
قال محمد بن رشد: إنما لم تجب عليه صدقتها، من أجل أنه لا يدري ما حدث عليها من تلف أو عطب، ولا يلزمه أيضا أن يخرج زكاتها إلا منها- وهو لا يقدر على ذلك مع مغيبها عنه، وقوله: فإن ماتت فلا صدقة عليه فيها- يريد وإن علم أنها ماتت بعد حلول الحول عليها، إذ لم يفرط وليس عليه أن يخرج زكاتها إلا منها- وإن كانت زكاتها من غيرها.

.مسألة النفر يكونون خلطاء بأربعين شاة فيأتي الساعي فيأخذ منها شاة:

وسئل: عن النفر يكونون خلطاء بأربعين شاة، يكونون أربعة نفر، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، أو يكون لكل واحد منهم أكثر من ذلك، أو أقل، إلا أن عدد الغنم أربعون شاة، فيأتي الساعي فيأخذ منها شاة؛ قال: يترادونها على عدد ما لكل واحد منهم.
قلت: فلو أخذ منها شاتين، قال: إن كانت أخذت من غنم واحد، كانت الواحدة مظلمة وقعت عليه، ويترادون الشاة الواحدة بينهم على قدر غنمهم؛ وإن أخذ شاتين من غنم رجلين، كانت نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه، ويترادون الواحدة بينهم إن كانت أربعين شاة؛ والنفر أربعة، لكل واحد منهم عشرة، عشرة، فإن أخذ شاتين من رجلين، كان نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه، ورجعا على صاحبيهما بربعي شاة فاقتسماها.
قال محمد بن رشد: أما إذا أخذ منها شاة واحدة، فإنهم يترادونها على عدد غنمهم؛ فإن كانوا أربعة خلطاء لكل واحد منهم عشرة، فأخذ من أحدهم شاة قيمتها أربعة دراهم؛ رجع الذي أخذت الشاة من غنمه على كل واحد من خلطائه بدرهم، درهم، ولا كلام في هذا الوجه، وأما إن كان أخذ منها شاتين من غنم واحد، فقال: إن الشاة الواحدة تكون مظلمة ويترادون الشاة الأخرى بينهم، وهذا بين- إن كانت الشاتان مستويتين في القيمة؛ وأما إن لم يستويا في القيمة، فيكون نصف كل شاة منهما مظلمة، ويترادون النصفين الآخرين؛ مثال ذلك أن تكون قيمة إحدى الشاتين دينارين، وقيمة الثانية أربعة دنانير، فتكون المصيبة منه في نصفهما جميعا، وذلك ثلاثة دنانير، ويترادون الثلاثة الدنانير الأخرى بينهم؛ فيجب على كل واحد منهم منها ثلاثة أرباع دينار، فيرجع الذي أخذت الشاتان من غنمه على كل واحد من خلطائه بثلاثة أرباع دينار؛ وأما إذا أخذت الشاتان من غنم رجلين، فقال في هذه الرواية: إن نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه، ويرجعان على صاحبيهما بربعي شاة فيقتسمانهما، وقال في سماع يحيى: إن قيمة الشاتين تجمعان ثم يكون نصف قيمتها على الأربعة، يقسم بينهم على مالهم من العدد في الغنم، وذلك اختلاف من القول يتبين بالتنزيل، مثال ذلك أن يأخذ من غنم أحدهما شاة قيمتها أربعة دراهم، ويأخذ من غنم الآخر شاة قيمتها درهمان، فيؤخذ على هذه الرواية من اللذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ثلاثة أرباع درهم، فيدفع من ذلك درهم وربع درهم- إلى الذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم، ويدفع الربع درهم الباقي إلى الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان، ووجه العمل في ذلك، أن يقال للذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم: الدرهمان من الأربعة دراهم مظلمة لا رجوع لك فيها، وإنما يجب التراد في الدرهمين الباقيين؛ ويقال للذي أخذت منه الشاة التي قيمتها درهمان: الدرهم الواحد من الدرهمين مظلمة عليك، لا رجوع لك فيه، وإنما يجب التراد في الدرهم الباقي، فيجمع ما يجب فيه التراد، وذلك ثلاثة دراهم، فيقسم على جميعهم بالسواء، إن كان لكل واحد منهم عشرة، فيجب على كل واحد منهم من ذلك ثلاثة أرباع درهم؛ فيقال للذي أخذت الشاة من غنمه التي قيمتها أربعة دراهم: قد وجب عليك ثلاثة أرباع درهم في التراد، وأنت قد أديت مما يجب فيه التراد درهمين، فيبقى لك درهم وربع درهم؛ ويقال للذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان: قد وجب عليك ثلاثة أرباع درهم في التراد، وأنت قد أديت مما يجب فيه التراد درهما واحدا، فبقي لك ربع درهم، فيؤخذ من الذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ثلاثة أرباع درهم من كل واحد، فيدفع من ذلك درهم وربع للذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم، ويدفع الربع درهم الباقي إلى الذي أخذ من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان، فيعتدلون فيما وجب التراد بينهم؛ ويؤخذ على ما في سماع يحيى من اللذين لم يؤخذ من غنمهما شيء، ثلاثة أرباع درهم، ومن الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها: درهمان، ربع درهم، فيدفع جميع ذلك، وهو درهم وثلاثة أرباع درهم إلى الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم فيعتدلون فيما وجب فيه التراد بينهم؛ ووجه العمل في ذلك، أن تجمع قيمة الشاتين وذلك ستة دراهم فيكون النصف من ذلك، وهو ثلاثة دراهم مظلمة، درهم ونصف من كل واحد لا رجوع له به، والنصف الثاني وهو ثلاثة دراهم يجب التراد فيه، فيجب من ذلك على كل واحد منهم ثلاثة أرباع درهم، فيقال للذي أدى الشاة التي قيمتها أربعة دراهم، عليك من الأربعة دراهم درهم ونصف مظلمة، لا رجوع لك به على أحد، ويجب عليك مما يجب فيه التراد ثلاثة أرباع درهم الباقي لك من حقك درهم وثلاثة أرباع درهم، ويقال للذي أدى الشاة التي قيمتها درهمان، عليك من الدرهمين درهم ونصف مظلمة، لا رجوع لك بهما على أحد، ويجب عليك مما يجب فيه التراد ثلاثة أرباع درهم فيبقى عليك ربع درهم يؤخذ منه ويدفع إلى الذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم مع ما يؤخذ من الذين لم يؤخذ من غنمهما شيء، وذلك درهم ونصف ثلاثة أرباع من كل واحد، فيستوفي جميع حقه، ويعتدلون فيما يجب فيه التراجع بينهم- وبالله التوفيق.

.مسألة له أربعون شاة وللآخر ثلاثون فأخذت شاة من الأربعين أو من الثلاثين كيف الزكاة:

قلت: فلو كان لواحد أربعون شاة، وللآخر ثلاثون، فأخذت شاة من غنم صاحب الأربعين، أو من غنم صاحب الثلاثين؛ قال: إن أخذها من غنم صاحب الثلاثين، رجع فأخذها من غنم صاحب الأربعين، ولم يكن على صاحب الثلاثين شيء؛ وإن كان أخذها من غنم صاحب الأربعين، لم يكن على صاحب الثلاثين شيء؛ لأن الواحدة وجبت عليه، والأخرى مظلمة وقعت عليه؛ وإن كانتا أخذتا من غنم صاحب الثلاثين، رجع على صاحب الأربعين بالشاة التي كانت وجبت عليه في غنمه، وكانت الأخرى من صاحب الثلاثين؛ لأنها مظلمة وقعت عليه.
قال محمد بن رشد: قوله في الشاتين: أنهما إن أخذتا من غنم صاحب الثلاثين، رجع على صاحب الأربعين بالشاة الواحدة، وكانت الأخرى منه؛ لأنها مظلمة وقعت عليه- بين إن كانت الشاتان معتدلتين، وإن لم تكونا معتدلتين، فإنما يجب عليه أن يرجع بنصف قيمتها جميعا؛ ولو كانت إحداهما تحب في الزكاة، والأخرى لا تجوز فيها، أو لا تجب، لرجع عليه بقيمتها التي تجب في الزكاة؛ ولو كانتا جميعا مما لا يجوز في الزكاة، لم يكن له رجوع بشيء منهما، وبقيت الزكاة على صاحب الأربعين، وسائر المسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها.

.مسألة له عشرون ومائة وللآخر ثلاثون فأتى الساعي فأخذ شاة من غنم صاحب الثلاثين:

قلت: فلو كانت لواحدٍ عشرون ومائة، وللآخر ثلاثون، فأتى الساعي فأخذ شاة من غنم صاحب الثلاثين، قال: يرجع ويأخذها من غنم صاحب العشرين ومائة، وليس عليه شيء؛ قلت فإن أخذ الساعي شاتين من غنم صاحب الثلاثين أو من غنم صاحب العشرين ومائة، فقال لا تبالي، من غنم من أخذت منهما، يترادانهما بينهما على عدد غنمهما؛ لأن كل ما اختلف فيه الناس، فالأمر إذا وقع بينهم، حملوا على ما وقع عليه الأمر؛ لأن الناس قد قالوا: إنه إذا كان العدد ما يجب فيه الزكاة، أخذت منهما الزكاة، وهما الخليطان لا تبالي أكان في غنم كل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة، أو لم يكن، ففي خمسين ومائة على قولهم شاتان.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه إن أخذ الساعي منها شاتين، فالواحدة على صاحب العشرين ومائة؛ لأنها واجبة عليه، ويترادان الأخرى التي أخذت بسبب خلطتهما، وهو قول ابن وهب، وابن عبد الحكم؛ ويأتي على أصل مذهب مالك في أن الرجلين لا يكونان خليطين، حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة دون مراعاة قول من يراهما خليطين- وإن لم تبلغ ماشية كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة؛ لأنه قال: إن الشاة الواحدة تكون على صاحب العشرين ومائة؛ لأنها واجبة عليه، والشاة الثانية تكون بينهما على عدد غنمهما؛ لأنها إنما أخذت عنهما عداء على القول بأن من أغرم غرماء على متاع لغيره، أنه على صاحب المتاع وبالله التوفيق.

.مسألة زكاة الخليطين إذا كان الراعي واحدا:

ومن كتاب التفسير:
قلت لابن القاسم: ما قول مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا، والفحل واحدا، والمراح واحدا، والدلو واحدا، فالرجلان خليطان، أرأيت إن افترقا في بعض هذا الذي وصفه مالك، أتراهما خليطين؟ قال: نعم؛ لأن مالكا قال في القوم يفترقون في المراح، والحلاب، فهم خلطاء؛ ولم يرد في الحديث ألا يفترقوا في شيء من هذا.
قال ابن القاسم: هم خلطاء إذا اجتمعوا في جله- وإن افترقوا في الوجه الواحد منه- كما فسر لي مالك، لا يكونون خلطاء إلا أن يجتمعوا في جل ذلك.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الروايات، وهي مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك في المذهب، والمخالف في هذا، الشافعي، فيقول: إنهما لا يكونان خليطين حتى يشتركا في المراح، والمسرح، والفحل، والدلو، ولا يراهما أيضا خليطين حتى يتخالطا من أول السنة؛ ويقول: إنهما خليطان وإن لم يكن لواحد منهما نصاب، وحجته الحديث: «ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة؛ وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية»، وأبو حنيفة لا يرى الخلطة ولا يقول بها على حال من الأحوال، ويقول معنى ما في الحديث من قوله «لا يفرق بين مجتمع» هو أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة، فيفرقها الساعي أربعين، أربعين ليأخذ منها ثلاث شياه؛ فنهي عن ذلك، «ولا يجمع بين مفترق» هو أن يكون لرجلين أربعون شاة، عشرون، عشرون، فنهى الساعي أن يجمعهما ليأخذ منهما شاة، ومعنى ما فيه من قوله: «وما كان من خليطين، فإنهما يترادان بينهما بالسوية» هو مثل أن يكون الغنم بين الرجلين مشتركة على الثلث والثلثين، فيجب عليهما في ذلك شاتان: شاة على كل واحد منهما، فيأخذها من جملة الغنم قبل القسمة، إذ ليس عليه انتظار القسمة؛ فيكون إذا فعل ذلك، قد أخذ من حصة الذي له الثلثان: شاة وثلثا، ومن حصة الذي له الثلث ثلثي شاة، فوجب أن يترادا ذلك فيما بينهما حتى يستويا فيما يجب عليهما؛ فقول مالك وسط بين قول الشافعي، وأبو حنيفة، استحسان.

.مسألة يهرب بغنمه ثلاث سنين زكاته:

ومن كتاب العرية:
وسئل: عن الرجل يهرب- بغنمه ثلاث سنين- وهي فيها: أربعون، أربعون في كل سنة، ثم يأتيه الساعي في السنة الثالثة فيجدها ألفا، قد أفادها في تلك السنة؛ قال: يبدأ بما وجب عليه قبل، فيأخذ شاة للأربعين التي كانت عنده ثلاث سنين، ثم يأخذ تسعة لهذه السنة؛ قلت: وكيف وقد قلت: لو أن رجلا عنده ثلاث مائة شاة- ثلاث سنين- هاربا بها، ثم جاء في السنة الرابعة، فلم يجد عنده إلا أربعين شاة؛ أنه يأخذ تسع شياه لثلاث سنين، ويأخذ شاة لهذه السنة من الأربعين، فكيف لا تكسر التسع شياه الأربعين، حتى لا يؤدى منها شيء كما كسرت الشاة المائة من الألف؛ قال: لأنه لو لم يكن عنده في الثلاث سنين إلا ستون ومائتان، كانت عليه ثلاث شياه لكل سنة، وهذه الأربعون التي وجد في يديه كأنها كانت عنده ثلاث سنين، فلا تكسر بعضها بعضا، وأنه إذا كانت في السنتين أربعين، أربعين، ثم وجدها ألفا؛ فإنه يبدأ بالشاة التي وجبت عليه فيأخذها، فإذا أخذها فقد انكسرت عليه المائة من الألف عن الصدقة، ثم يأخذ تسعة، تسعة، وإنما يبدأ- أبدا- بالأول، فالأول، الذي وجب عليه فيأخذه، ثم يزكي ما بعد ذلك على حال ما وجب عليه.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في الأم: ثم يأتيه الساعي في السنة الثالثة، وفي الأصل في السنة الرابعة- وهو الصواب؛ لأنه إذا غاب عنه ثلاث سنين لهروبه، فإنما يأتيه في الرابعة؛ وقد اختلف قول ابن القاسم في الذي يهرب بماشيته عن الساعي، فيجده بعد أعوام، فمرة قال: إنه يبدأ فيأخذ مما وجد بيده ما يجب لذلك العام، ثم يأخذ منه زكاة ما مضى من الأعوام على ما يثبت أنه كان عنده في كل عام منها، أو على الأكثر مما كان بيده يوم هرب، أو يوم وجد، إذ قد يهرب وشاؤه أربعون، ثم يجده بعد أعوام- وشاؤه ألف شاة، فيقول: إنما أفدتها منذ عام، وقد يهرب أيضا وشاؤه ألف شاة، ثم يجده بعد أعوام وشاؤه أربعون شاة؛ فيقول: إن الألف شاة تلفت في العام الذي هربت فيه- ولم يكن عندي فيما بعد ذلك من الأعوام إلا أربعون، أربعون في كل عام، فلا يكسر على هذا القول ما يأخذ منه زكاة غيره من الأعوام؛ روى ذلك عنه أصبغ، وقال به، وهو قول ابن الماجشون، وسحنون في المختصر، واختيار ابن المواز، ومرة قال: إنه يبدأ بالعام الأول، فيأخذ منه ما وجب عليه فيه، فيكون كأنه أخذ منه حينئذ زكاة ما بقي للعام الذي بعده، فلا يأخذ منه للعام الذي وجده فيه إلا زكاة ما بقى بيده بعد ما أخذ منه؛ وهو قوله في رواية عيسى هذه، وقول سحنون في آخر سماعه بعد هذا، فعلى قوله في هذه الرواية، لا يأخذ منه التسع شياه عن التسع مائة شاة، إلا أن يكون قد أفاد الألف قبل توبته بعام؛ لأن الشاة إذا أخذها عن أول سنة من الأربعين التي هرب بها، يرجع إلى أقل من نصاب، فلا يجب عليه زكاة ما أفاد إليها حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده، ولو لم يعلم متى أفاد الألف، لم يصدق في أنه أفادها في هذا العام، ويأخذ منه شاة للعام الذي هرب فيه، وتسع شياه، تسع شياه، لكل عام من الأعوام التي بعده؛ ويلزم على قياس قوله في هذه الرواية في الذي هرب وشاؤه ثلاثمائة، ثلاث سنين، ثم جاء في السنة الرابعة فلم يجد عنده إلا أربعين، ألا يأخذ من الأربعين لهذه السنة شيئا؛ لأن الذي أخذ للأعوام الماضية يكسرها، كما كسرت التسع شياه المائة من الألف؛ وكذلك قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وتفرقته بين المسألتين ها هنا لا وجه له في القياس، ولاحظ له في النظر- وبالله التوفيق.